النبوة فضل وهبة وعطاء من الله سبحانه وتعالى:
النبوة
فضل واختيار إلهي، وهي هبة ربانية يهبها لمن يشاء من عباده ويخص بها من يشاء من
خلقه، وهي لا تنال بالجهد والتعب والرياضة ولا تدرك بكثرة المجاهدة والطاعات
والعبادات وإنما هي بمحض الفضل الإلهي: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة:
105].
وهي
اصطفاء واختيار من الله تبارك وتعالى لأفضل خلقه وصفوة عباده، فيختارهم الله لحمل
الرسالة ويصطفيهم من بين سائر البشر قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ
الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:
75].
وقال
تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ
عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33].
وقال
تعالى: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص:
47].
ومما
يدلُّ على أن النبوة فضل وهبة من الله سبحانه وتعالى قصة رسولنا محمد صلى الله عليه
وسلم مع المشركين، حيث اعترض المشركون من قريش على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم
واستغربوا نزولها على يتيم فقير لا يملك أسباب القوة والغنى وليس له من مظاهر
السلطان والملك ما يجعله عظيماً في نظرهم.
ورأوا
بنظرهم القاصر أن النبوة ينبغي أن تكون لغني عظيم شريف من الكبراء والسادة والعظماء
ومن الوجهاء ولكن الله ردّ عليهم بأسلوب مفحم فقال جل ثناؤه: {وَقَالُوا لَوْلا
نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}
[الزخرف: 31-32].
فمن
حكمة الله أنه قد قسم لكل إنسان رزقه ولكل مخلوق حظَّه من المال، والمال بالنسبة
إلى النبوة أمر حقير فكيف يترك الأمر الجليل العظيم وهو الرسالة والنبوة إلى أهواء
الناس ونزعاتهم ورغباتهم؟ فهذا الأمر متروك لله سبحانه وتعالى وهو يفعل ما
يشاء.
قال
تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:
124].
هـ-
الفرق بين النبوة والملك:
تختلف
النبوة عن الملك والسلطان في عدة نقاط جوهرية:
النقطة
الأولى: النبوة لا تكون من طريق الإرث، فهي ليست موروثة بل هي بمحض الفضل الإلهي
والاصطفاء الرباني.
قال
تعالى: {وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [
الدخان: 32 ].
وقال
تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ
عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33].
أما
الملك تجري فيها عادة الإرث، أي أن الابن يرث عن أبيه الملك والحكم في أغلب
الأحيان، وهذا ملاحظ في الواقع.
أما
قوله تعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] أي ورث العلم
والحكمة لأنه تربى في بيت النبوة فمن البدهي أن يرث هذا الأمر العظيم. ولو تمت
الوراثة في هذا الأمر فهي اصطفاء من الله لهذه السلالة
الطاهرة.
النقطة
الثانية: النبوة لا تعطى إلا لرجل مؤمن فهي لا تعطى لكافر أمَّا الملك والسلطان فقد
يعطيان لغير مؤمن: مثل فرعون والنمروذ.
قال
الله تعالى حكاية عن فرعون: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ
أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا
تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51].
وقال
تعالى في شأن النمروذ الذي ادعى الألوهية في زمن إبراهيم عليه
السلام:
{أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ
إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي
وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ
الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
[البقرة: 258].
النقطة
الثالثة: النبوة خاصة بالرجال ولا تكون للنساء أبداً.
قال
تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:
43].
أمَّا
الملك فقد يكون للنساء من طريق التسلط أو غيره، قال تعالى في قصة سليمان مع بلقيس:
{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا
عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23]
النقطة
الرابعة: النبوة دعوتها الأساسية الإيمان بالله عزّ وجلَّ والإيمان باليوم الآخر،
وإيثار الآخرة على الحياة الدنيا الفانية التي يطمع بها كثير من الناس {وَمَا
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:
185].
أمَّا
الملك والسلطان فدعوتهما في الأغلب سياسية وهذا للتمكن على العرش
والسيطرة.
والملك
والسلطان عادة يدلان على مظهر من مظاهر العظمة الدنيوية وهذا يعارض الخط النبوي
الذي جاء بالتزهيد في الحياة الدنيا، فإذا كان الأنبياء يعيشون حياة الملوك ثم
يأمرون الناس بالزهد فهل يستمع إلى كلامهم أحد أو يتبعهم أحد. فالداعي إلى الله إذا
لم يكن بسيرته قدوة فلن يكون لكلامه أيُّ تأثير.
ربَّ
قائل يقول: هذا سليمان بن داود عليهما السلام قد جمع الله له النبوة والملك،
والنبوة والملك يتعارضان في خطهما.
الجواب:
لا يمنع اجتماع النبوة والملك في شخص واحد، فإنهما يجتمعان في شخص واحد كما حصل
بسليمان بن داود عليهما السلام وهذا الأمر قليل ونادر والحكم دائماً للأغلب
والأكثر.
قال
الله تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي
مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ *
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي
الأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص:
35-36-37-38-39].